مقالات

حين يُستباح الطب باسم “الحرية”… لماذا يجب فصل الراقصة من نقابة الأطباء؟

الكاتبة الصحفية شيرين عصام

القضية المطروحة اليوم لم تعد قضية “فن” ولا “شغف” ولا “حرية شخصية” كما يحاول البعض تسويقها، وإنما أصبحت قضية هيبة مهنة، وأخلاقيات نقابة، وصورة مجتمع كامل تُشوَّه على الملأ تحت لافتات زائفة.

نحن لا نتحدث عن فتاة اختارت مجالًا فنيًا منذ البداية، بل عن شخص يحمل صفة طبيب، الصفة التي ترتبط في وجدان الناس بالعلم، والاحترام، والأمانة، والمسؤولية الأخلاقية قبل المهنية.
وهنا تحديدًا تقع الكارثة: هل يجوز أن يجتمع لقب “طبيب” مع ممارسة مهنة تقوم على استعراض الجسد أمام العامة؟

الطب ليس شهادة تُعلّق على الحائط، ولا بطاقة هوية تُستخدم عند الحاجة، الطب عهد أخلاقي قبل أن يكون وظيفة. وعندما تُستباح هذه القيمة، فإن الضرر لا يقع على شخص واحد، بل على الثقة العامة في المنظومة كلها.

الدفاع الشائع يقول:
“حرية شخصية”.
لكن الحرية الشخصية تتوقف عند حدود المهنة التي اخترتها بإرادتك. من يدخل سلك القضاء يلتزم، ومن يرتدي زي الشرطة يلتزم، ومن يحمل لقب طبيب يلتزم… لأن هذه المهن ليست ملكًا لأصحابها وحدهم، بل للمجتمع الذي منحهم الثقة.

الطبيب الذي يرقص علنًا على المسارح أو عبر المنصات لا يُمثّل نفسه فقط، بل يُسيء لآلاف الأطباء الشرفاء الذين أفنوا أعمارهم في العلم والسهر وخدمة المرضى. هو لا يسيء لصورة فرد، بل يهدم صورة مهنة كاملة.

الأخطر من الفعل نفسه هو محاولات تلميعه إعلاميًا، وتصويره على أنه نموذج للتحرر والانتصار للذات، وكأننا أمام إنجاز إنساني عظيم، بينما نحن في الحقيقة أمام تطبيع فجّ مع خلط المقدس بالهابط، والعلم بالابتذال.

نقابة الأطباء لم تُنشأ لحماية الأعضاء فقط، بل لحماية سمعة الطب وهيبته وأخلاقياته. وإذا صمتت النقابة اليوم، فهي عمليًا تعلن أن لقب “طبيب” بلا ضوابط، وبلا رسالة، وبلا خطوط حمراء.

الفصل من النقابة في هذه الحالة ليس عقوبة شخصية، بل إجراء حماية للمجتمع قبل أن يكون حماية للمهنة. لأن النقابة حين تترك هذا الخلط الخطير دون ردع، فهي تفتح الباب لأي عبث قادم تحت مسمى “حرية فردية”.

الحرية لا تعني الفوضى.
والشغف لا يبرر هدم القيم.
والاختيار الشخصي لا يمنح صاحبه حق الإساءة إلى مؤسسة عمرها مئات السنين.

نحن لا نصادر الأحلام، ولا نمنع أحدًا من اختيار طريقه، لكن من أراد أن يسلك طريق الاستعراض، فليفعل… بعد أن يخلع عنه لقب الطبيب. لا يمكن الجمع بين مهنة تعالج الأجساد ومهنة تقوم على تعريتها أمام الجمهور.

المعادلة يجب أن تكون واضحة بلا مواربة:
إما طبيب…
أو راقص.
أما الجمع بين الصفتين فهو إهانة للطب، وخيانة لثقة المجتمع، واستهانة بعقول الناس.

واليوم، قبل الغد، لا بد من موقف حاسم:
إما أن تحمي نقابة الأطباء هيبة المهنة،
أو تتركها نهبًا لكل من أراد الشهرة بأي ثمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى