الأسرة… معركة التربية بين الماضي والحاضر

بقلم الكاتبة الصحفية شيرين عصام
لم تكن التربية يومًا كلمة تُقال أو نصيحة تُلقى، بل كانت أسلوب حياة وتطبيقًا يوميًا في البيت قبل أن تكون درسًا في المدارس. آباؤنا وأجدادنا لم يمتلكوا وسائل التواصل الاجتماعي، ولا مدارس اللغات، ولا القنوات الفضائية، لكنهم أنشأوا أجيالًا تحمل الشهامة، والحياء، والصدق، والرجولة، وحب الله… لأنهم عاشوا ما أرادوا أن يربّوه فينا، فكانوا هم القدوة قبل أي توجيه.
اليوم، إن غابت القدوة ضاع الأبناء، وإن انشغل الآباء عن التربية انشغلت السوشيال ميديا باحتلال عقولهم. لذلك — وإن لم تكن تربية آبائنا كاملة — فلنبدأ بإصلاح أنفسنا أولًا قبل أن نطالب أبناءنا بالكمال. فالطفل لا يسمع بقدر ما يرى… ولا يقلد الكلام بقدر ما يقلد الأفعال.
علّموا بناتكم جمال النفس قبل جمال الشكل، علموهن نظافة النفس والجسد، الاحترام، الحياء، الإخلاص، وتحمل المسؤولية. لا تنتزعوا من يد البنت أدوات المنزل وتستبدلوها بالفراغ والسوشيال ميديا… فإتقان الأعمال المنزلية، والتريكو، والكروشيه، وتنظيم البيت ليس انتقاصًا من قيمتها بل قيمة تحميها وتبني شخصيتها، وتمنحها الثقة والقدرة على إدارة بيتها يومًا ما.
وربّوا أولادكم على احترام المرأة قبل حبها، والرحمة قبل القوة، والشهامة قبل الصوت العالي. علّموهم احترام الكبير، ومساعدة الضعيف، وصون العرض، والدفاع عن الحق. فالرجولة ليست عضلات… بل أخلاق.
أحيوا تقاليدكم الجميلة، تمسكوا بتعاليم دينكم الطيب، تجاهلوا كل دخيل يريد أن يحطم الأسرة باسم الحرية ويغسل القلوب تحت شعار التطور. ليس كل جديد تقدم، ولا كل قديم تخلف.
عودوا بأبنائكم إلى القراءة بدلًا من الإدمان الرقمي، إلى حفظ القرآن بدلًا من حفظ تريندات لا قيمة لها، إلى صلة الرحم بدلًا من المتابعة الافتراضية، وإلى الصلاة بدلًا من السهر التي لا يُجنى منها إلا الفراغ.
فالأسرة ليست مشروعًا مؤقتًا… إنها مسؤولية أبدية، وإن صلحت الأسرة صلح المجتمع كله. ومهما تغير الزمن، ستظل التربية الحقيقية تبدأ من بيت يملك الحب… ويملك القدوة.




