المصريون القدماء.. مؤمنون سبقوا زمنهم

✍️ بقلم الكاتبه الصحفيه: شيرين عصام
البداية من النيل والشمس
منذ آلاف السنين، وقف المصري أمام النيل والشمس والسماء متأملًا هذا الجمال الإلهي الفاتن، يسأل نفسه بصمت: من وراء هذا النظام الدقيق وهذا النور الأبدي؟
لم تكن الحضارة المصرية القديمة مجرد معابد وتماثيل، بل كانت تعبيرًا عن رحلة إنسان يبحث عن خالقه وسط رموز الطبيعة وأسرار الكون.
إيمان لا يُقاس بعدد الآلهة
لطالما وُصِم المصريون القدماء — ظلمًا — بأنهم “مشركون وكفّار”، فقط لأنهم عبدوا آلهة متعددة.
لكن المصري القديم لم يكن يعبد تمثالًا من حجر، بل كان يرى فيه رمزًا لقوةٍ عليا تُجسّد صفات الإله الواحد في صور متعددة.
“رع” كان رمزًا للنور والخير،
“أوزوريس” رمزًا للحياة بعد الموت،
و“إيزيس” رمزًا للأمومة والرحمة.
كانت تلك رموزًا ومعاني روحية، وليست أصنامًا تُعبد لذاتها.
لقد آمن المصري القديم بوجود قوة عظمى تحكم الكون وتضبط ميزانه وفق “الحق والعدل” — أو كما أطلقوا عليها “ماعت” — وهي فكرة قريبة جدًا من مفهوم الحق الإلهي في الأديان السماوية.
أخلاق الإيمان قبل نزول الكتب
بل إن نصوص “كتاب الموتى” المقدس لديهم تمتلئ بدعوات وأقوال نقيّة تشبه الأدعية التي نرددها اليوم:
“لم أسرق، لم أكذب، لم أقتل، لم أفسد قلب إنسان.”
أليست تلك القيم هي جوهر كل دين؟
أليست تلك رسالة الإيمان نفسها التي نعرفها اليوم، وإن اختلفت اللغة والرمز؟
إخناتون.. النبي الذي سبق عصره
في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ظهر الملك إخناتون، الذي أعلن توحيد العبادة لإله واحد هو “آتون”، خالق النور والحياة.
قال في أناشيده الخالدة:
“أنت الإله الواحد، لا إله سواك، خلقت الأرض والسماء والناس والحيوانات.”
هذه الكلمات تُدهش كل من يقرأها اليوم، لأنها تتطابق مع روح التوحيد في الإسلام واليهودية والمسيحية.
إخناتون لم يكن كافرًا، بل مؤمنًا يبحث عن الله الحقيقي وسط زحام الرموز.
ولذلك، يعتبره كثير من الباحثين أول من دعا إلى فكرة الإله الواحد قبل ظهور الديانات السماوية بقرون طويلة.
إيمان فطري سكن القلوب
المصريون القدماء لم يكونوا كفّارًا، بل مؤمنين بالفطرة، عبّروا عن إيمانهم بلغة زمنهم، وبأسلوب يناسب وعيهم في ذلك العصر.
لقد جسّدوا فكرة أن الله في كل مكان، في النور والعدل والخير والخلق.
كرّموا الحياة ولم يحتقروا الموت، لأنهم رأوا فيه بوابة للخلود الأبدي.
ومضة إيمانية
قال الله تعالى:
“وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ” (فاطر: 24).
ربما كان إخناتون واحدًا من أولئك النذر الذين أرسلهم الله إلى الأمم القديمة لهدايتهم إلى النور.
فالله لم يترك أمة دون دعوة، ولم يخلق شعبًا دون من يذكّرهم بأنه واحد لا شريك له.
ولهذا، فإن إيمان المصريين القدماء لم يكن ضلالًا، بل كان بحثًا نقيًا عن الخالق، خطوة أولى في طريقٍ طويل انتهى بنور الرسالات السماوية
من لا يعرف تاريخ أجداده لا يستطيع أن يفهم نفسه.
المصري القديم لم يكن بعيدًا عن الله، بل كان من أوائل من بحثوا عنه بصدقٍ وبصيرة.
فبدل أن نحكم عليه بالكفر، علينا أن نقف احترامًا لعقلٍ وقلبٍ آمن قبل أن تنزل الكتب، وسجد للنور قبل أن يُعرّف معنى التوحيد بالكلمات.




