مقالات

الأجمل يأتى مصادفةً.. بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة

الأصل فى الحب ليس الانبهار ولكنه الإطمئنان. الإنسان بدون حب يشبه النملة التي تسكن شق الحائط. فهى تتصور أن الكون كله هو هذا الشق الصغير وأن الحياة لا غاية لها إلا هذا الفتات من الخبز الذى تسعى لنقله لبيتها، ثم لا شيء وراء ذلك..

وهي معذورة في هذا التصور فهذا أقصى مدى تذهب إليه حواسها. فالقضية قضية حواس وشعور يملكه البشر والحيوان والطير والنبات بنسب متفاوتة. الجميع يحب ولكن بطرق ونسب مختلفة.

ولكن للأسف ما أكثر الناس أشباه النمل الذين يعيشون سُجناء محصورين كل واحد مُنغلِق داخل شق نفسه يتحرك داخل حلقة مفرغة من الهموم الذاتية تبدأ وتنتهي عند الحصول على كسرة خبز ومضاجعة امرأة ثم لا شيء وراء ذلك.. رغم ما وهب الله ذلك الإنسان من قلب ومشاعر وعلم وخيال.

الحب هو الدواء والسائل المذيب أو العطر الفواح الذى يجعل الأحقاد والأطماع تختفى من النفس البشرية، بنسب مختلفة طبعا من فرد لأخر حتى تصل للشفافية الملائكية وأحيانا يضحى الفرد بذاته وراحته وبكامل رغبته من أجل إسعاد الحبيب.

الحب يخلق لنا أجنحة، فلماذا لا نجرب أن نطير لماذا نكتفي بأن نلتصق بالجحور في جبن ونُسلّم قيادتنا للآلية والروتين المكرر وننسى أننا أحرار فعلًا؟ بالحب تملك الحرية والفضاء بأكمله.

فلماذا أكثرنا نمل وصراصير ؟! لأننا ابتعدنا عن الفطرة السليمة، اخطأنا طريق التصالح النفسى فكيف لفرد لا يعرف كيف يحب نفسه أن ننتظر منه أن يحب الطرف الآخر بإيجابية؟! ولو نظرت لقصة نبى الله يوسف الصديق لعرفت كيف استطاع أن يسمو بروحه فوق مستوى النفس البشرية… عرف كيف يتصالح مع نفسه ومن ثم عرف كيف يسامح الآخرين.

وانا هنا لا أكتب إلا ما يلمس احساسى. وتداعبنى حبيبتى فتقول أعرب لى كلمة {الحب}. فقلت لها سأعربها حرفاً حرفاً وسأكتب فيها وصفاً … الألف هو إنصهار الذات في الذات، واللام هو لب القلب وقرين النبضات، والحاء هو حنان وحنين وحرية ونسمات، والباء هى بداية ليس لها نهاية بين الفرح والآمال والدعابات، والكاف هى ما بيننا من كافة الحكايات. أحبك دوماً بكل اللغات.

‏”عندما أقول: دعوتُ لك
‏أنا لا أقولها لترُدها لي
‏فقد فعلت الملائكة ذلك
‏أقولها لأُطمئِن فؤادك بأنه ليس وحيدًا ‏وأن أرواحنا مُتصلة ‏أقولها لأحمل معك القليل ‏هذه طريقتي الخاصة لأقول لك أنك تعني لي كثيراً
‏وأن همّك هو همى ‏وحُزنك هو حزني ‏فأنا أعجز عن الطبطبة أحيانًا ‏لذلك ألجأ للدعاء”

الكروان والبلابل والعصافير تُغني غناءً كله غزل ومشاعر،
والعنكبوت يُقدّم هدية لعروسه ليلة الزفاف في مشهد من الرقي الفطري المذهل.

ولو سألني أحدكم ما هي علامات الحب ؟؟ و ما شواهده ؟… لقولت الحب هو الألفة و رفع الكلفة. الحب هو عدم الاحتياج إلى التجمل لتكون شخصاً أخر، و أن يُرفع الحرج بينكما. وحين لا يطفئ الفراش الأشواق بينكما و لا يورث الملل و لا الضجر و إنما يورث الراحة و المودة و الصداقة فهذا هو الحب.. وحين تخلو العلاقة من التشنج و العصبية و العناد و الكبرياء الفارغ و الغيرة السخيفة و الشك الأحمق و الرغبة فى التسلط ، فأنت لست أناني ولكنك محب.

وحين تكون السكينة و الأمان و الطمأنينة هى حالكما عند الحديث أو كلما التقيتما فهذا هو الحب.

حين تشفق على حبيبك من العتاب ولا ترغب فى رؤيته معتذراً أو منكراً عند الخطأ فتلك هو الحب.

حين يكون الاشباع غير مقتصر على قبلة أو عناق أو أى مزاولة جنسية ولكنها متعة العيش معاً فأنا حينها أحب.

قد ينكر البعض وجود الحب، لكنى مؤمن بوجوده وبأنه كائن حى ينمو، مؤمن بأنه نبات طيب يؤتى ثماره. الحب الصادق طائر مغرد تحب سماع تغريده فى كل الأوقات وفى كل حالاتك المزاجية. لا أنكر أن الحب الصادق نادر. لكن كل ما عليك هو أن تجتهد للبحث عنه فإذا وجدته فاترك نفسك له بسلاسة وسيتدبر هو أمر رعايتك. و الحق يقال أنه ثمرة توفيق إلهى إلى جانب اجتهادك الشخصى .

أنا لا أريد حبيبتى أن تكون نسخة منى، لكنه تكامل واكتفاء واحتفاء واقتناع بشريك الحياة. الحب لا ينشأ إلا فى بيئة النفوس الجميلة المتراحمة والمتألفة والطبائع المنسجمة بالفطرة، بلا تصنع أو تجمل أو زيف.

و إذا لم تكن النفوس خيرة فإنها لا تستطيع أن تعطى فهى أصلا فقيرة مظلمة ليس عندها ما تعطيه .
كم من جرائم ترتكب باسم. الحب. ذلك الشعور الطاهر، قرين السلام و الأمان و السكينة، ريح من الجنة.

وهناك الكثير ممن يشكون حالهم من عدم مصادفة الحب أو عدم قدرتهم على الحفاظ عليه.
يقول د. مصطفى محمود: ” أن الله قد يبتلى الرجال الأبرار بالنساء الشريرات أو العكس، وتلك حكمة الله.
فالله عز وجل قد أبتلى نوحاً و لوطاً بالزوجات العنيدات الكافرات. فليس كل فشل نقمة من الله .
و قد قطع الملك هيرودوس رأس النبى يوحنا المعمدان و قدمها مهراً لِبَغىّ عاهرة .
و لم يكن هذا انتقاصاً من قدر يوحنا عند الله .. و إنما هو البلاء.

فنرجو أن يكون فشلنا و فشلكم هو فشل كريم من هذا النوع من البلاء الذى يمتحن النفوس و يفجر فيها الخير و الحكمة و النور و ليس فشل النفوس المظلمة التى لا حظ لها و لا قدرة على حب أو عطاء “.

الحب هو انسجام روح رجل مع روح إمرأة ليكونا مثل الماء والسكر ، مثل العطر والزيت ليذوبا معاً ، لا كالماء والزيت فيتنافرا. فتناسب النفوس و الطبائع لابد أن يسبق تناسب الأجسام و الأعمار و الثقافات . فنرى الرسول محمداً عليه الصلاة و السلام يتزوج بمن تكبره بخمسة و عشرين عاماً و يتزوج بمن تصغره بأربعين عاماً فتحبه الاثنتان خديجة و عائشة كل الحب و لا تناسب فى العمر و لا فى الثقافة بينهما ، فهو النبى الذى يوحى إليه و هما من عامة الناس.

الحب هو نفحة و هِبة إلهية. فمن ذا الذى يستطيع أن يقيد على الله نفحاته أو يشترط عليه فى هباته. و إذا شاء الله أن يرحم أحداً فمن ذا الذى يستطيع أن يمنع رحمته ..و الحب سر من أعمق أسرار رحمتــه ..رحم الله د. مصطفى محمود فقد عرف الله، والله هو كل الحب وبدايته ومنتهاه و لا ينتهى فى الحـــب كــلام ..تعلموا الحب فأننا مفارقون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى