من القلب❤️ “سحر الطبيعة” بقلم د/ مها علي دليور

العلاقة بين الطبيعة والإنسان ليست اختيارية، إنها أبدية أصيلة منذ بداية تكوينه…. منذ آدم عليه السلام…. حين ألقاه الله بين أحضان الطبيعة في العراء تحت الشمس الحارقة، والأرض الوعرة، و الأمطار الغزيرة، و الحر والبرد، و لم يلقيه بين جدران بيت أو تحت سقف مطعم حتى يعتاد تغيرات الطبيعة؛ بل أكل أوراق الأشجار لضمان البقاء و شرب ماء البحار و الأنهار، و هذه رسالة واضحة من الخالق سبحانه وتعالى؛ أن جسم الإنسان لن يصلح إلا حين يمتزج بالطبيعة مرة أخرى..
نلاحظ مع زيادة التطور و غزو التكنولوجيا يعاني الشباب من أمراض كانت تعد من أمراض الشيخوخة في إحدى الأزمان، بل و تم تحور أمراض جديدة، فالطقس حار اليوم فلنقضيه في التكييف و نؤجل أعمالنا للغد، الجو خريفي ومحمل بمسببات الحساسية… من الأفضل أن نركب السيارة حماية للجيوب الأنفية…. وهكذا من سلوكيات نتبعها للبعد عن الاحتكاك بالعالم الخارجي…
هذه ليست صفة لفئة من الناس بل إنها العادة السائدة للمجتمعات الحالية…
لقد تغافلنا نور الشمس و ما يحدثه من أثر نفسي وجسدي لجسم الإنسان، و اللون الأخضر لأوراق الشجر التي تتمايل في أحضان اللون السماوي، لونان كلاهما هادئ يبعث السكينة في أي نفس مرهقة، أما التركيز مع صوت حفيف الأشجار إنما هو دعوة للاستجمام و التأمل و طرد الأفكار السلبية و غير ذلك لمن أراد التأمل بين جنبات الطبيعة..
فهذه هي الطبيعة التي خلقها الله لنا؛ و لكن هناك طبيعة مصطنعة لا ننسى دورها في حياتنا، وهي التعاملات اليومية التي حرمنا أنفسنا منها منذ أن اختار كل منا أن يعتزل ما يؤذيه، و لم نميز بين الأذية و الحياة العادية، فاعتزلنا كل شيء و اكتفينا بالنظر بين أيدينا؛ جهاز أصغر من حجم الكف هو من يضحكنا و يحزننا و يلهمنا و يعلمنا، و استغنينا عن كل شيء حولنا، فالطبيعة ليست فقط أشجار و شمس و نجوم و بحار، الطبيعة التي فقدناها حقا هي الإنسان نفسه…. هي بشريته، فالإنسان كائن اجتماعي بطبيعته فإذا فقد اجتماعيته سيفقد بشريته و يكون آليا يبرمج..
من طبيعة الإنسان التحمل و الاستيعاب و التغافل حتى تستمر حياته، لكن… إنسان هذا اليوم لا يحتمل نظرة أو موقف بسيط، أصبحنا نتجنب بعضنا لنريح نفسيتنا، و نعيش في عزلة افضل لنا من الاختلاط بشخصيات سامة….
مسميات…. تدعو كلها للعزلة.. “علاقات سامة”، “الشخصيات النرجسية”، “الشخصيات الحساسة”… دعوة للابتعاد والعزلة بقدر المستطاع..
كما رأينا في الأساطير… أن لكل سحر ضريبة، ونرى الساحر يجبر من يلجأ إليه للتوقيع على اتفاقية أو يتنازل عن شيء مقابل حصوله على شيء سحري بدون مجهود؛ و كذلك الطبيعة لن تستمتع بسحرها إلا إذا دفعت ضريبتها؛ ألا وهي التعامل مع الناس و الشعور بالحر و تلك الشمس التي تقصد عيناك بأشعتها أو يعكر صفوك ذبابة تريد الفوز بسحر الطبيعة هي الأخرى، و إلى آخر ذلك من حجج يختلقها الناس للتقوقع على أنفسهم.
ولذا علينا تقبل كل شيء حولنا بصدر رحب فرؤيتنا للحياة هي تلك التي تنعكس علينا…
انظر للفائدة التي ستعود عليك و تجاهل الضريبة التي ستدفعها، فالطبيعة كريمة؛ لن تكلفك الكثير مقابل منافعها.
د/ مها علي دليور