العقد بطريق الإذعان.. بقلم الدكتور محمد عويان المحامي بالنقض

وفق نصوص القانون المدني المصري والمعمول به حاليا رقم 131 لسنة 1948 ورد نص المادة رقم 149 متضمنا بأنه”إذا تم العقد بطريق الإذعان, وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها: وذلك وفقا لما تقضي به العدالة ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك. وورد نص المادة 150 مدني على أنه 1) إذا كانت عبارة العقد واضحة، فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين. 2) أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستعانة بطبيعة التعامل، وما ينبغي توافره من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقًا للعرف الجاري في المعاملات.
ووفق نص المادة 149 يتضح معنى الإذعان في القانون بأنه تضمين العقد شروطا تعسفية, يكون فيه أحد الطرفين(المُذعن) مضطرًا لقبول شروط يضعها الطرف الآخر(القوي) بشكل مسبق في صيغة نمطية، دون وجود فرصة حقيقية للتفاوض أو التعديل؛ والطرف الضعيف لا يملك إلا خيار القبول أو الرفض الكامل، وهو شائع في الخدمات الأساسية كالمياه, والكهرباء, والاتصالات والتأمين, والبنوك، حيث يكون أحد الأطراف محتكرًا للخدمة أو في موقع قوة أكبر.
ومن منطلق التعريف بمعنى الإذعان يأتي التساؤل هل للقاضي من دور لحماية الطرف الضعيف في العقد ؟ أجابت على ذلك نص المادة 150 حيث تعرض النص لحالتين وهما:الحالة الأولى: إذا ما كانت العبارة واضحة، لا يلجأ القاضي لتفسير العقد، بل يلتزم بالمعنى الحرفي للعبارات، لأنها تعبر عن إرادة المتعاقدين بوضوح. الحالة الثانية: إذا ما كانت العبارة غير واضحة, وكان هناك محل لتفسير العقد، فإن القاضي لا يقتصر على المعنى الحرفي، بل يبحث عن النية الحقيقية للمتعاقدين.
وهو المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا”أنه في مجال العقود عموماً مدنية كانت أو إدارية فإنه يجب تنفيذ العقد وفقاً لما اشتملت عليه نصوصه وبما يتفق ومبدأ حسن النية طبقاً للأصل العام المقرر في الالتزامات عموما، ومن مقتضى ذلك أن حقوق المتعاقد مع الإدارة والتزاماته تتحدد طبقاً لشروط العقد الذي يربطه بها.
كما أن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أنه في مجال تفسير العقود فإنه من المتعين البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف على المعنى الحرفي للألفاظ، إذ العبرة بالإرادة الحقيقية، على أن تكون هي الإرادة المشتركة للمتعاقدين، والتي التقى عندها المتعاقدان، وهي التي يؤخذ بها دون اعتداد بما لأي متعاقد منهما من إرادة فردية، ومن العوامل التي يستهدي بها القضاء للكشف عن هذه النية المشتركة ما يرجع إلى طبيعة التعامل حيث يختار القاضي المعنى الذي تقتضيه طبيعة العقد، ومن العوامل الموضوعية التي يسترشد بها القاضي أن تخصيص حالة بالذكر لا يجعلها تنفرد بالحكم، وأن عبارات العقد يفسر بعضها بعضاً، بمعنى أنه لا يجوز عزل العبارة الواحدة عن بقية العبارات، بل يجب تفسيرها باعتبارها جزءاً من كل وهو العقد، فقد تكون العبارة مطلقة ولكن تحددها عبارة سابقة أو لاحقة، وقد تكون العبارة مبهمة وتفسرها عبارة في فصل آخر، وكذلك من العوامل الخارجية في تفسير العقد الطريقة التي ينفذ بها وتكون متفقة مع ما يوجبه حسن النية في تنفيذ العقود، حيث لا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف وقواعد العدالة بحسب طبيعة الالتزام، ومن المسلم به أن قواعد التفسير المقررة في القانون المدني إنما تقوم على حسن الفهم والإدراك، وأنها وضعت لتعين القضاء على الكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين، وإذا كان هذا هو الشأن في مجال القانون الخاص بقواعده المقننة، فإن القانون الإداري وهو غير مقنن أولى بأن تسوده هذه الفكرة. (الطعن رقم 16621 لسنة 52 القضائية عليا(الدائرة الثالثة) – جلسة 26 من مايو سنة 2009).
والمستقر عليه في قضاء محكمة النقض أنه 1- “إذا كانت المحكمة في تفسيرها ورقة من أوراق الدعوى لم تخالف ظاهر معناها فلا يكون عليها أن تورد أسبابا لذلك, لأن اقتضاء الأسباب محله أن تكون المحكمة قد حرفت اللفظ عن ظاهر معناه فيكون عليها أن تبين ما حملها على هذا التصرف.(طعنان رقما 55, 74 لسنة 16ق جلسة 22/ 5/ 1947).
2- إذا كان المدلول الظاهر للاتفاق المبرم بين الطرفين هو التزام الطاعن باستغلال سينما لحساب المطعون عليه إلى أن يجد هو أو المطعون عليه خلال أجل محدد مستغلا لها وعندئذ يتعهد الطاعن بدفع نصف الإيجار الذي يقدمه المستغل الجديد فإن مؤدى ذلك أن هذا الالتزام مقيد بشرط وجود هذا المستغل خلال الأجل المتفق عليه بحيث ينتهي بانقضاء ذلك الأجل وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بإلزام الطاعن بنصف الإيجار عن المدة التالية لانتهاء الأجل استنادا إلى عقد الاتفاق سالف الذكر يكون قد انحرف في تفسير الاتفاق عن المعنى الظاهر له ومسخه مما يستوجب نقضه.(طعن رقم 653 لسنة 25 ق جلسة 4/5/ 1961).
فمما سبق يتبين أن للقاضي دور في تفسير العقد إذا ما كانت عباراته غامضة وجب عليه البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين, ولكن هل القاضي يقع على عبئه في تفسيره للعقد ثمة قيود؟ ورد نص المادة 151 (1″ يفسر الشك في مصلحة المدين – 2” ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضارا بمصلحة الطرف المذعن ).
وهو ما استقرت عليه محكمة النقض في قضاءها “إن الاشتباه في الغرض المقصود من المشارطة الذي يجب معه, بحكم المادة 140 من القانون المدني, تفسير المشارطة بما فيه الفائدة للمتعهد هو الاشتباه الذي يقوم في نفس القاضي لخلو الدعوى من دليل مقنع. فإذا كان المستفاد من الحكم أن المحكمة قد استخلصت في اقتناع تام من أدلة الدعوى المرفوعة على المشتري بمطالبته بثمن القطن المبيع له أنه تسلم المبيع, ثم قضت بإلزامه بالثمن, فإن حكمها يكون سليما ولا غبار عليه.(طعن رقم 21 لسنة 14ق جلسة 14/12/ 1944).
نخلص من ذلك إلي أن الإذعان يغلب عليه طابع التحكم من قبل الطرف المذعن؛ حيث امتلاكه المرفق أو الخدمة أو السلعة المراد التعاقد عليها بالشراء أو الإستهلاك أو الاستخدام, فيُرغم المدين على تقبلها بالشروط التي يفرضها المذعن رغم تعسفها؛ لذلك جاء القانون مقيدا لرغبات المذعن حتى لا تُطال فلا ترحم المدين من تعسفه, فجعل الأحقية للقاضي في تفسير العقد إذا ما جاء محملا بعبارات غامضة مع تحقيق التوازن بأن لا يضر بمصلحة المذعن, وعلى كل فإن الشك يفسر لمصلحة المدين.




