وباء البوابين في المناطق السكنية… حين يتحول الحارس إلى خطر صامت

الكاتبة الصحفية شيرين عصام
تحولت مهنة “بواب العمارة” من وظيفة يفترض أنها قائمة على الحراسة والخدمة إلى وباء اجتماعي وأمني يتفشى في كثير من المناطق السكنية، خاصة في الأحياء الراقية والمتوسطة، حتى أصبحت مصدرًا للتهديد، وانتهاكًا صارخًا للخصوصية، وبيئة خصبة للحقد والحسد ونقل الأسرار وإشعال الفتن.
لم يعد البواب كما كان قديمًا حارسًا أمينًا على البيوت، بل أصبح في كثير من الحالات رقيبًا على تحركات السكان، وعدّادًا للأنفاس، ومخبرًا غير رسمي، يراقب الداخل والخارج، ويخزن تفاصيل البيوت في ذاكرته، ثم يعيد توزيعها في جلسات النميمة، وكأن العمارات تحولت إلى ساحات مراقبة بلا قانون.
طباع سيئة وسلوكيات خطيرة
الغالبية لا تعمل بعقود قانونية واضحة، ولا تخضع لأي فحص أمني حقيقي، يدخلون البيوت، يحملون مفاتيح الشقق، يعرفون مواعيد السفر والعودة، تفاصيل العلاقات، عدد أفراد الأسرة، ومستوى الدخل وهذه المعلومات وحدها كافية لصناعة جريمة مكتملة الأركان.
وتظهر أخطر السلوكيات في صور متعددة، منها:
الحقد الطبقي على سكان العقار.
الحسد من مستوى المعيشة.
الشماتة في الخلافات الأسرية.
نقل الكلام وإشعال الفتن بين الجيران.
التواطؤ أحيانًا في السرقات والجرائم.
الابتزاز غير المباشر عبر التلميح والضغط النفسي.
انتهاك الخصوصية والتدخل السافر في شؤون البيوت.
الافتِراء والكذب وصناعة الفتنة لكسب التعاطف
ومن أخطر آفات بعض البوابين الافتِراء المتعمد، والكذب المنهجي، وادعاء المظلومية لاكتساب تعاطف السكان واستدرار أموالهم أو حمايتهم.
فينسج القصص، ويختلق الأزمات، ويزيّف الوقائع، ويقحم أسماء الجيران بغير حق، ليصنع صراعات وهمية ويؤجج خلافات لم تكن موجودة أصلًا.
يتحول إلى صانع فتنة محترف:
يلوّن الكلام حسب مصلحته.
ينقل نصف الحقيقة ويخفي نصفها.
يحرّض الجيران على بعضهم البعض.
يشوّه السمعة.
ويزرع الشك بين الأزواج والأسر.
فتُهدَم علاقات طيبة، وتتفكك أسر، وتُفتح أبواب خصومات، بسبب كذبة مختلقة أو نميمة مسمومة، لا لشيء إلا لتحقيق مصلحة شخصية خسيسة.
ثغرة أمنية فادحة في قلب كل عمارة
الأخطر أن هذا الوضع يتم في غياب شبه كامل للرقابة. كيف نطالب بالأمن في الشوارع، ونترك مداخل العمارات بلا تنظيم قانوني؟
كيف نقبل أن يكون الشخص الأوسع اطلاعًا على أدق تفاصيل حياتنا بلا أي كشف أمني، أو مساءلة قانونية صارمة؟
كثير من الجرائم التي وقعت داخل العمارات كان البواب فيها شاهدًا صامتًا، أو شريكًا غير مباشر، أو بوابة للمعلومات التي سهّلت الجريمة.
الحل الجذري: الاستبدال بأفراد أمن محترفين
آن الأوان لقرار حاسم:
إلغاء منظومة البواب التقليدية تدريجيًا.
الاستعاضة عنها بشركات أمن مرخصة بعقود قانونية واضحة.
تعيين أفراد أمن مدربين نفسيًا وأمنيًا.
إخضاعهم لتحريات كاملة وكشف جنائي دوري.
تحديد مهام دقيقة، وساعات عمل، ونظام محاسبة صارم.
ربط العقارات بأنظمة كاميرات حديثة تحت إشراف قانوني.
فرد الأمن المحترف يعمل وفق قانون، ولا يحمل أحقادًا طبقية، ولا يتدخل في الخصوصيات، ولا يصنع الفتن، ولا يتاجر بالمعلومات.
رسالة إلى المسؤولين
أمن البيوت لا يقل خطورة عن أمن الشوارع، والخصوصية حق دستوري لا يجوز التفريط فيه تحت مسمى “بواب العمارة”.
نطالب الجهات المختصة من وزارة الداخلية، والمحليات، ومجالس إدارات العمارات، بوضع تشريع عاجل وحاسم ينظم هذا الملف الخطير، ويغلق باب العبث الذي استمر لعقود دون محاسبة.
البيت الذي يُفترض أنه واحة الأمان، لا يجوز أن يتحول مدخله إلى نقطة تجسس وفتنة وتهديد نفسي دائم.
واستبدال البوابين بأفراد أمن محترفين لم يعد رفاهية اجتماعية، بل ضرورة أمنية وأخلاقية لحماية الأسر، وصون البيوت، وحفظ السلم الاجتماعي.




