السنجة مغامرة المخرج مايكل مجدي في تفكيك النصوص الصعبة

نقد- صموئيل نبيل أديب
عندما علمت أن المخرج الجرئ مايكل مجدي بصدد كتابة مسرحية مستوحاة من رواية السنجة للكاتب الكبير أحمد خالد توفيق ، شعرت بالدهشة والشفقة عليه ، اعلم ان مايكل يحب الغوص في عالم الدراما النفسية، يجيد تقطيع النفس البشرية على خشبة المسرح فقد فعلها سابقا في رائعته “ثلاث مقاعد في القطار الأخير” التي اكتسحت جوائز المهرجان القومي للمسرح و مهرجان آفاق و مهرجان جامعة القاهرة، حيث ابكي الجمهور وهو يقدم المجتمع و الضغوطات النفسية التي تقع على ثلاث فتيات صغيرات.
و لكن الآن نحن أمام رواية ليس لها ملامح مسرحية ،بالبلدي ليس لها مسكة، فالرواية تعتمد على تفكيك الحدث الواحد عبر خمس قصص متضاربة ، معتمدة على روايات متنوعة لنفس الحدث و هو انتحار فتاة بعد أن كتبت كلمة على الحائط ، ومحاولة تفسير تلك الكلمة من خلال عدد من القصص الغريبة والمختلفة.

فكيف تستطيع أن تقدم مسرحية مقتبسة من رواية بداخلها خمس قصص ؟! و لكنه فعلها، بأن جعل الكاتب نفسه هو الراوي، يقف بين أبطال قصصه مشتكيا انه لا يعرف كيف ينهي المسرحية، ليبدأ فاصل من محاولات الأبطال مساعدة الكاتب في تجسيد الرواية و استنباط النهاية،
عبر ساعة و نصف سحبنا المخرج مايكل مجدي فى مسرحية تتميز بإيقاعها السريع والمحموم حيث نجح في توظيف ثلاثين ممثلاً على الخشبة ، اوقفهم ليس كخلفية، بل كـكورس يوناني معاصر يجسد فوضى عقل الكاتب المشتت ،هذا التوظيف تجلى في مشهد تبادل القصص المتلاحق ، حيث تحولت الإضاءة من الأصفر الباهت (دلالة على ضبابية البطل) إلى بقع حمراء حادة أثناء تجسيد مشهد الشيطان، ليعكس التغير اللحظي في حالة الكاتب النفسية ، هذه الميزانسين الحية والديناميكية هي المحرك الأساسي للعرض وورقة قوة المخرج.

يجذبك إلى محاولة الإجابة على سؤال : ماهي الكلمة التي كتبتها الفتاة قبل أن تموت، بل إنه ينشئ سؤال أصعب.. من هي الفتاة نفسها التي ماتت.؟ !!؟؟ مستغلا ضبابية بطل المسرحية ليوحد المُشاهد مع البطل فى صراعه حول كيف ينهي روايته..ليقوم الأبطال بتجسيد القصص الثلاثه التي تعبر عن الكلمة التي قد تكون الفتاة كتبتها قبل وفاتها
ومع كل قصصه كانت هناك مباراة جميلة في التمثيل بين الممثلين الشبان نذكر منهم ‘ احمد شحاته’ حيث قدم ثلاثة أدوار في المسرحية منهم الشيطان والبلطجي بشكل متميز اضحك الجمهور.، ايضا قدم ‘ ماركو أمير’ و ‘ ديفيد زكريا’ دور الشاب الرومانسي بشكل دقيق ، بينما لعب ‘ بيتر حبيب ‘ دور الفرعون القائد بأداء ضاحك جيد ،
وكانت البطولة النسائية هي المحور الأبرز في المسرحية حيث هن بطلات القصص ،وقد قدمت كلا من : انجي عيسى اداء رائعا في مشاهد العشيقة ، مارينا جميل في مشهد الخوف و العار ، وايضا مريم مسعد، ميرفانا، وميرا، داليا الكيلاني قدمن أداء جماعياً مبهراً عكس براعة في تجسيد التحولات النفسية المعقدة للشخصيات.
في النهاية، يُعد عرض ‘السنجة’ مغامرة مسرحية جريئة نجحت ببراعة في تحويل البناء الروائي الصعب إلى لعبة مسرحية ذكية حول فعل الكتابة نفسه. و إذا كان النقد الوحيد الموجه للعمل هو النهاية التي لم تكن قوية كباقي نهايات مسرحيات مايكل مجدى السابقة إلا أنها قدمت نهاية مناسبة لفوضى الكتابة في عقل بطل المسرحية ، ولكن هذا لا ينفي أن مايكل مجدي قد أكد مجدداً أنه من المخرجين القلائل القادرين على تفكيك نصوص عسيرة وإعادة بنائها بـبصمة بصرية وفنية جديدة على المسرح المصري.
قدم مسرحية السنجة كلا من :
أحمد شحاتة
فادي محروس
عبد الرحمن ابو العزايم
إنجي عيسى
مريم مسعد
أحمد عليش
بيتر حبيب
وسام يوسف
ميرفانا نادي
مارينا جميل
تريسا سامح
هيلانه تامر
ميشيل ماهر
ماركو أمير
رباب حلمي
ميرنا غبريال
زياد احمد
ديفيد زكريا
أحمد بلاك
داليا الكيلاني
بيشوي شلبي
محمد طلعت
يحي عرفه
رنا ملاك
مدرب ممثلين : كيرلس ناجي
مساعدين إخراج
مريم ناجي
مينا نشأت
يوسف فريد
تأليف موسيقى: رفيق جمال
تصميم الإضاءة : ابو بكر الشريف




