كان نفسى أقولك… بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة

ربنا… لقد بذلت ما بوسعى كى لا أنطفىء, فخذ بيدى يا الله إلى نجم بعيد، وهب لى ضؤا لا يخفت ولا بنكمش، خذ بيدى من التيه ومن أنياب القلق إلى رحاب حنانك وأمانك.
قالت لا تعرف عنى الكثير، وهى لا تدرى أن لدى من الدراما ألما وفير،. تلك الأمنية التى فتحت أبواب ذاكرتى ونقلتنى بعيدا إلى عالم أخر ملىء بشريط من الذكريات. ونسيت حضورها وما له من جلال وجمال وبدأت أخبرها فى صمت وخيال:” كان نفسى أقول لك أن استقرار الخيط فى عنق الشمعة هو سبب إحراقها”. هكذا لا يجر منا إلا أحزان تتسلل إلى أرواحنا. وكى لا تصدمكى الأيام أعلمى أن بداخل كل إنسان نعرفه يوجد إنسان أخر لا نعرفه وربما هو نفسه يجهله. فالاعتدال فى كل شىء وخاصة الشعور مهم جدا.
كان نفسى أقول لك أنك لا تهدى الأحبة ولكن الله يهدي من بشاء، فأرح قلبك. كان نفسى أقول لك أنى وهبت الجميع كل شىء وما أبقيت لنفسى أى شىء حتى أعتقد من حولى أن هذا حقهم المكتسب. لكن دعينى أخبرك أن رغم كل خدوش الحياة ما زلت أبتسم ، فكونى مثلى. أريدك جميلة الروح فاتنة المشاعر كى تهون عليك المصاعب، جليلة النفس كى تسهل لك المطالب، جميلة العقل فتحققى المكاسب. كان نفسى أقول لك أنك فى عيناى الأجمل، ولكنى أشفق عليك فالجميلات قليلات الحظ احيانا. الجمال سيدتى ليس فقط جمال قامة وعلو هامة فهذا جمال يورث المتاعب وتطارده الشهوات. لكن الجمال جمال الحضور وروعة الأفعال والبشاشة والقبول.
كان نفسى أقول لك وتسمعينى: ” أن الحياة تزهر للحى المقبل على الحياة، المتفتح، وأن الفعل بالفعل يجبر. ألا تعلمين حبيبتى أنك مميزة وستصبحين اقوى حين تؤمنى أنك استثنائية. كأن ميلادك هو مولد شخص لن يتكرر ، شخص يحتاج إليه العالم. وأنا لك هذا العالم. كان نفسى أقول لك أنك لست حبيبتى فقط بل صديقتى الصدوقة، ألم تسالى نفسك لم الحديث معك يطول لأن عباراتك وحرفك ليس لهم ذبول… الم تلحظى أن غيابك القليل عنى يبدو دهور؟!
سعادتى معك تأتى حين تحتضنين كسرى وتجبرى خاطرى. وددتك أن تلتصقى بأولئك المفعمين بالأدب وبالضحكة دون سبب، فالسعادة معدية. أكثر ما اخاف عليك منه هو أن تسمحى لظنونك أن تنظم علاقتك بالآخرين فتشقى نفسك وتشقى الأخرين. لا ترى الناس باذنيك، فللرؤية عينان خلفهما الله لنا. والسمع دون تعقل يؤدى بك للهلاك. لذلك فالمشاعر لا تحتاج إلى حبيب، بل تحتاج أحبانا إلى رفيق وصديق وروح لا تخذلك ، تكن سندا ودعما لكى.
كان نفسى احكى لك وتفهمنى أنى أحب الناس جميعاً وكأنى لم أخذل قط، فسعادتى مستمدة من علمى وثقتى بالله وتصالحى النفسى ، فالجروح لا تسبب موتا. فلا تتعجب حين أخبرك بأنى ممتن وشاكر لمن أرادوا بى شرا فرد الله عنى كيدهم فى نحورهم، إذ جعلهم الله لى جسرا اعبر فوقه نحو الأفضل، فلا تضعفى ولا تفقدى ثقتك بالطيين حولنا فالخير فى عباد الله إلى يوم الدين قائم، وإن كانت وحدتك ستحفظ أمانك ونقائك فلتخلقى عالمك المفضل.
كان نفسى تعرفى أن الحب غالبا ما يأتى متأخرا قويا لكنه مستحيلا. ومن فضل الله أن هناك ما يغنى عن الحب مثل الراحة والثقة وتوافق المزاج. فمن يدخل حياتنا له أسبابه سواء جيدة أو سيئة. وكلاهما يجعلنا ما نحن عليه. فتمسكى بمن يصونك ويسعدك، فأحيانا لا يكفى أن نقلب الصفحة ولكن يجب أن نغير الكتاب برمته، فتمرين روحك على الوحدة مطلوب، فهكذا للحياة أتيتى وحيدة كالقمر.
وحين أدعوكى لتحققى سلامك الداخلى وسعادتك، فاستمعى لى وأبذلى السلام على من ناديناهم بالروح، فردوا علينا بالقلب والحب. وأن أردتى أن تبحثى عن جبلا لا يخون، فأبحثى عن التسامح والتغاضى. فحبيبك الصادق هو من لا تخجلى أمامه بالاعتراف بهزبمتك، بل هو من لا ينتظر منك تبرير أو اعتذار. هو من لا تجرحك شفقة نظرته، وهو من يفهمك قبل أن تنطقى ببنت شفه.
الحبيب هو الوطن الذى لا ينكرك أن فقدتى هويتك. الحبيب هو الظل حين تغمرنا الأخزان . ما أردتك إلا أن تتجنبى ترك شخصا ينام وبداخله تساؤلات. عاملى الناس بأصلك وطبعك. اريدك أن تعرفى أن الحب وحده غير كاف لاستمرار الزواج وبناء بيت ناجح. فالتفاهم والاحترام والتعامل والصبر أدوات النجاة. وأعلمى أن كل الأمور المزعجة لم تأتى لتبقى، فضعف تشعرين به أو حزن يسكنك أو خوف دخيل عليك…
كل هذا وغيره ينفذ مهمة محددة وهى صناعتك وتقويتك. فيوميا تكسىرنا أشباء وأشياء، ونعتادها ونتجاوزها. يوميا، تبهرنا الأشياء والأشخاص، ولكن سرعان ما تصبح فاترة.
لا تتعجب حين تجد كثير من الناس لا يفهموك، ليس لصعوبنك ولكن فقط لكونك حقيقية جدا. فقد اعتادوا على المزيفين، ولن يدركوا أمرا قد قطعت انت فيه اميالا من التفكير، بينما هم لم يبذلوا جهدا ليسيروا خطوة واحدة في طريقك. فانت تنشرين ما يجول بقلبك كل ليلة ملايين المرات، بينما لم يطرق الحب قلبهم ولو لمرة واحدة فى اى ليلة. وتلك هى المسافة الشاسعة بين التجربة والكلمات. فلن يفهمك إلا من يشبهك ممن لهم روح صادقة نقية ومنهج طيب وشعارهم الصدق.
تلك فلسطين حبيبتى فأنا أعتبرها رواية حياة واقرأها بتمعن لأفهم معانيها. فلسطين بالفعل رحلة عمر، حب وألم، أمل وفشل، مجموعة من الأفكار والأشعار وخليط من الأعمار، تجارب ودروس، حكايات وعبر وبحوث.
اجعلوها رواية تتجدد على مسامع الأطفال والعالم والحضور والزوار . اقرؤوها بقلوبكم حين تصيح قائلة: ” أنا لست مجرد كلمات، أنا لست مجرد صفحات ، انا جزء منك مما مضى ومما هو أت فلا تتركونى على رصيف الذكريات”. رددوا فلسطين الحبيبة خصبوا طينها ولونوا أرضها بخضار الزروع. رددوا قصصها المليئة بالفخر وجميل الحكايات . فلسطين كونى بخير.




