مقالات
توقعات حجم الضرر الاقتصادي في المنطقة العربية جراء حرب غزة

مقال رأي بقلم د. محمد عبد العزيز
كاتب وباحث اقتصادي ومتخصص في الشئون الافريقية
سألني أحد الأصدقاء عن الخسائر الاقتصادية على الدول العربية جراء حرب غزة كنت سأقول له للوهلة الأولى قطاع السياحة وقطاع الطيران أكثر المتضررين كنت سأقول له الدعوة للمقاطعة بشكل غير مدروس سوف يضر بآلاف الأسر المصرية والعربية التي تعمل في مصانع على أراضي مصرية وعربية بترخيص من شركات عالمية ثم تذكرت أن أكبر الخسائر في الاقتصاد هي العنصر البشري بما أن أحد أهم مقومات عناصر الإنتاج هي العنصر البشري لذا فلقد خسر العنصر البشري العربي الثقة المتبادلة والتآلف والتعاضد لأن حال العرب اليوم ما بين من يحتفلوا بالغناء والرقص ومن يموتوا بالقصف العسكري يوميا وهذا هو أكبر الخسائر التي تهدد وحدة العرب وتمنع أي قوة للعرب فيظلوا تابعين للشرق تارة والغرب تارة .
يجب أن يكون الخلاف بين قادة الدول وقادة حماس وقادة الإخوان وليس بين الشعوب خاصة وأن هناك دول عربية تستضيف قادة حماس وقادة الإخوان بما يعمق الانقسام العربي ويزيد الأمر غموضا حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الخليج العربي خاصة وأن قطر تغرد خارج السرب كما أن بقية السرب لا يضغط على الولايات المتحدة الأمريكية بالقدر الكافي لوقف العدوان على أهل غزة ، إن حالة اللامبالاة بدماء أطفال غزة خيانة مهما كان الطرف المسئول عن بداية التصعيد والمسئول عن شبكة أنفاق غزة وعدم تسليم غزة للسلطة الفلسطينية الرسمية ، كنت ولازلت ضد المصالحة مع قطر وتركيا وتنظيم الإخوان ، لكن دماء الفلسطينيين العزل في غزة يجب أن تكون محور اهتمام عربي حقيقي ودعم عربي حقيقي لوقف العدوان فورا بدون شروط من إسرائيل والغرب لأن منع قتل الأطفال مقدم على أي شيء آخر خاصة وأن إسرائيل هي من دعمت سيطرة وتنامي نفوذ حماس في قطاع غزة لتعميق الانقسام الفلسطيني كما أنه توجد حلول أخرى غير قتل الأطفال والنساء والشيوخ بحجج واهية حول الحرب على حماس وضمان أمن إسرائيل .
ومن الجدير بالذكر أن أهل غزة أسرى لدى حماس قبل إسرائيل وأن سياسات حماس ليست مرنة تجاه من يرى إمكانية المقاومة بشكل مختلف عما تفعله حماس من تجييش القطاع لبناء وتجهيز الانفاق ودعم هذا التنظيم المسلح بكل السبل لكن الصمت عن قصف غزة بهذه الوحشية أمر يمس الإنسانية في أعمق وأصدق شيء وهو قبول قتل الأطفال تحت دعوى الأمن أو محاربة الإرهابيين كما تدعي اسرائيل والغرب ؛ من يسكت عن قتل أطفال غزة يشارك إسرائيل في صناعة المزيد من الإرهاب في مستقبل منطقة الشرق الأوسط حيث لا حديث يمكن قبوله عن سلام أو تعاون أو تنمية وهذه هي معضلة الإخوان وحماس مع الأنظمة العربية أنها لا تراعي دماء الفلسطينيين أنفسهم في التصعيد مع العدو وبالتالي يضيع على العرب وعلى الفلسطينيين فرص كثيرة أثناء التفاوض على أبسط الحقوق الإنسانية ولعل أبرز ما يؤخذ على حماس التركيز على الخطاب الديني الإسلامي في قضية وطنية عادلة تخدم المسلمين والمسيحيين من أبناء فلسطين على حد سواء فيمرر الكيان الصهيوني ذلك الخطاب للغرب على أنه خطاب كراهية وحرب دينية خاصة وأن حماس لا تعترف بحل الدولتين وتريد قتل كل الاسرائيليين حسب ميثاق وتصريحات قادة حماس وما تفعله حماس هو استغلال للشعب الفلسطيني لانها تعرف أن إسرائيل والغرب يدفعوا نحو سياسية الأرض المحروقة بمزيد من القتل والدمار وليس الردع المقبول بين طرفين متقاتلين فتصبح أرض غزة باطنها مجوف وسطحها محروق وشعبها ما بين التهجير وما بين القتل فأي سياسة هذه ؟ حتى أن سياسة الانتحار يمكن أن تكون أقل تكلفة لمن يريد الانتحار بدون دراما ، ثم ما حاجة حماس لإحتجاز نساء في الثمانين من عمرهن حتى وإن كان المشهد المتصدر حسن المعاملة لهن ، أن مجرد احتجاز رهائن من النساء وفي مثل هذا السن أمرا غير طبيعيا ويسيء لقضية وطنية عادلة ويسيء للإسلام وليس من الإسلام في شيء ، الاسلام يأمرنا ألا نرمي بأنفسنا إلى التهلكة المؤكدة أو أن نضع أنفسنا موضع الشبهات .
أن تصريحات إسرائيل والغرب هي الغموض بعينه لأنها تتمحور حول إبادة حماس من خلال تدمير كل نفق ومبنى على حساب قتل كل إنسان في غزة بدلا من أن يطلبوا من تركيا وقطر تسليم قادة مكتب حماس السياسي لدى قطر وتركيا كما يمكن تسليمهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على قادة الجناح العسكري لحماس في قطاع غزة من أجل تسليم الرهائن والمحتجزين من الإسرائيليين والجنسيات الأخرى ومن العجيب أن إسرائيل لا تفكر في سيناريو الرحيل الأمن لقادة حماس المتواجدين في قطاع غزة إلى دولة إقليمية غير حدودية مع إسرائيل مثل تونس كما حدث في عام ١٩٨٢ مع قادة حركة فتح في بيروت وهذا بهدف منع تكرار ما حدث يوم ٧ أكتوبر الماضي وبهدف ضمان أمن إسرائيل كما يدعي قادة إسرائيل والغرب وبما يؤدي لتفادي كل هذا الدمار والقتل وتجنب الضغط على الأنظمة العربية واستفزاز الشعوب العربية والإسلامية والاستنفار الأمني والعسكري في الشرق الأوسط بل والعالم أجمع من أجل ضمان أمن إسرائيل من هجمات حماس كما يزعم قادة إسرائيل والغرب .
ويبقى السؤال المحير أين ضغط قادة الخليج العربي على حكومات قطر وتركيا وعلى حكومات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأوروبا لوقف التصعيد بين الجانبين بهدف تسليم الرهائن وتخفيف حدة الأزمة ، كما أن الواضح للجميع مماطلة كلا من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لأنهم لا يريدوا وقف قصف غزة لأن المطلوب استفزاز جيش مصر لعمل غير محسوب ومن ثم السيطرة على ممر قناة السويس وضرب تحالف البريكس في مقتل وضرب ممر الحزام والطريق في مقتل فضلا عن السيطرة على شمال سيناء وتنفيذ مخطط تهجير أهل غزة وتصفية القضية الفلسطينية للأبد .
هناك أهداف اقتصادية لأي حرب وهذه الحرب
تسعى بالأساس لمنع التحالف الاقتصادي بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل برعاية أمريكية بما يضر بالقضية الفلسطينية وفقا لوجهة نظر قادة حماس
ولمنع ما يسمى بالممر الكبير بين الهند والخليج العربي وإسرائيل وصولا إلى قبرص ثم باقي أوروبا
وفي المقابل لدى إسرائيل والغرب رؤية لاستغلال إطلالة حماس على البحر الأبيض المتوسط في مقترح مشروع الممر الكبير بعد التخلص من سكان غزة وبما يهدد جدوى ممر الحزام والطريق وينافس ممر قناة السويس للملاحة ، حتى الآن لا يمكن توقع حجم الضرر الاقتصادي لمثل تلك المشاريع العملاقة لممرات تجارة عابرة للقارات لكن الضرر لتلك المشاريع يتزايد يوما بعد يوم خاصة بعد تدخل جماعة الحوثي في اليمن والحشد الشعبي في العراق على خط المواجهة والتصعيد ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ومع توقعات دخول سوريا أو حزب الله أو إيران فإنه مما لاشك فيه سوف يصبح هذا الصراع صراع عالمي على مصالح اقتصادية تهم بالأساس الدول الكبرى بما يفوق بكثير فكرة إقامة دولة فلسطينية من عدمه وهذا ما أكدته روسيا من خلال إرسال قوات “فاجنر” وإرسال دفاعات جوية لمساندة حزب الله في لبنان للتصدي لأي هجوم إسرائيلي موسع على الضاحية الجنوبية للبنان بما يهدد بقاء حزب الله ويزيد تفاقم أزمة لبنان الاقتصادية ويعيد للمشهد سيناريوهات تقسيم لبنان من جديد وهو أمر ليس بعيد عن أطماع إسرائيل والغرب في الغاز الطبيعي المتواجد في ساحل لبنان المطل على البحر الأبيض المتوسط ، ختاما أود أن أقول أن الحرب مستعرة وقد تطول لأسباب عديدة أهمها ومعظمها أسباب صراع نفوذ اقتصادي بين الدول الكبرى بشكل يفوق القضية الفلسطينية ذاتها وهذا يوضح سبب إصرار مصر على أن يتصدر المشهد دائما البعد الإنساني في إغاثة أهل غزة وتأمين سلامة أهل غزة لأن مصر تدرك مدى تعقيدات المشهد إقليميا ودوليا ولا تريد للأبرياء من أهالي غزة أن يدفعوا ثمن الصراع على النفوذ بين الكبار والصغار على حد سواء .
ومن محددات المستقبل الاقتصادي في المنطقة العربية هو وضع تعريف دقيق للتطرف لأن التطرف وهيستريا العقاب والانتقام الجماعي وخطاب الكراهية والحض على العنف وإبادة الآخر موجود في كلا الجانبين إسرائيل وحماس والمعادلة صفرية لدى الجانبين ولا يوجد ضمان لعدم تكرار ما حدث
في يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ ولن تستطيع إسرائيل الصمود والبقاء وفقا للمعطيات الأمنية الجديدة ، أن الهجرة لخارج اسرائيل بدأت بالفعل وتفكك الداخل الإسرائيلي بدأ بالفعل وذلك من قبل أحداث ٧ أكتوبر الأخيرة وكلها أمور تلقي بظلالها على مستقبل المنطقة العربية بالكامل سياسيا واقتصاديا .
ومع مرور الوقت يتزايد الانقسام الأوروبي حول مدى أخلاقية وجدوى القصف الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين بالأساس وهو أمر يلقي بظلاله على المد الاستعماري الإمبريالي في المنطقة العربية من خلال الكيان الصهيوني الذي يقدمه الغرب كنموذج للديموقراطية والحرية والتقدم في الشرق الأوسط .
لا شك أن الكيان الصهيوني واهي وأن الميليشيات المسلحة من حوله قادرة على زعزعة استقراره لكن ماذا بعد تلك الزعزعة ؟
اذا كانت الإجابة هي توريط أحد الجيوش النظامية من دول الطوق حول اسرائيل فإن تلك الميليشيات لم تفعل شيئاً على الإطلاق خاصة وأن الحروب بين الجيوش ليست نزهه والقوى التدميرية اليوم تختلف كثيرا عن حرب أكتوبر ١٩٧٣ والحرب تحتاج للمال والسلاح والذخائر فضلا عن الرجال وتدريبهم وتأهيلهم باستمرار وتحتاج لرؤية عربية واحدة وصوت عربي موحد نفتقدهما بشدة هذه الأيام وفوق كل هذا تأتي فرص استخدام السلاح النووي التكتيكي ضد أحد جيوش المنطقة إذا تورط في صراع هو بالأساس صراع نفوذ بين قوى عالمية كبرى .
بعد دخول قوات الحوثي في اليمن والحشد في العراق للحرب وتزايد التوتر مع حزب الله في لبنان وخسائر إسرائيل في محاولاتها الفاشلة لدخول قطاع غزة لم يصبح أمام الولايات المتحدة الأمريكية الآن سوى إنزال بحري شامل وحرب شاملة على قطاع غزة فهل هي مستعدة وحلفائها لذلك واذا حدث هذا من سيكون البديل لحماس في غزة ألا يمكن أن يكون البديل أكثر قوة ودموية وتطرفا ، إسرائيل لا تفقد قدرتها على البقاء وسط غابة الصواريخ لدى أذرع إيران في المنطقة فقط وإنما تفقد أيضاً قدرتها بالأساس على البقاء كتعداد بشري يهودي صغير وسط تعداد بشري عربي فلسطيني كبير بشكل يغير تركيب الدولة العبرية لذلك يتزايد إصرار متطرفين الكيان على تهجير الفلسطينيين وما تفعله مصر والأردن من ضغط دبلوماسي وإعلامي عالمي لرفض التهجير هو الحرب الحقيقية لنصرة القضية الفلسطينية العادلة وما تفعله مصر من التركيز على أن التطرف مرفوض من كلا الجانبين خاصة عندما يكون التطرف مدعوما بأحدث القنابل والصواريخ كما في حالة الكيان الصهيوني هو الحرب الحقيقية .
قلت ولازلت أقول كانت ولا زالت القوى الاستعمارية تتعامل من منطلق إستغلال مقدرات الدول وتغفيل الشعوب متناسية دورة التاريخ والطاقة الكامنة في الشعوب لأنه مهما كان جهلها وضعفها فإنها في نهاية الأمر تتصدى للاستعمار بأجسادها مهما كانت التضحيات فلابد لنير الاستعمار أن ينكسر وتنكشف عورته المغلظة بكل قبحها الفج ومهما كان الإعلام في صف الإستعمار فإنه دائما هناك بارقة أمل في الأصوات الحرة التي ترفض سرقة الأرض وسرقة الثروات الطبيعية وقتل وتهجير وإبادة الشعوب .