قوات الدعم السريع من البداية إلى النهاية.. محاولة لقراءة المشهد السوداني الحالي

مقال رأي بقلم د. محمد عبد العزيز
كاتب وباحث اقتصادي ومتخصص في الشئون الافريقية
جاء الرئيس السابق البشير للحكم في السودان عام ١٩٨٩م من خلال انقلاب عسكري مدعوم بتحالف قوي مع جماعة الإخوان المسلمين في السودان ومما لاشك فيه أن المشهد السوداني منذ الاطاحة بالرئيس السابق البشير عام ٢٠١٩م يتمثل في ثلاث قوى سياسية رئيسية كالتالي :-
.. الجيش السوداني النظامي ( القوات العسكرية الرسمية )
.. التيار المدني متعدد الأفكار والرؤى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بصورة أكبر من أي بلد عربي آخر فضلا عن محاولات الجذب والاستقطاب من قوى إقليمية ودولية للتيار المدني السوداني
.. قوات الدعم السريع شبه النظاميه التي أسسها الرئيس السابق البشير بهدف مواجهة التمرد في إقليم دارفور وبعد نجاح قوات الدعم السريع في تلك المهمة تم إسناد مهام أخرى لهم منها السيطرة على مناجم الذهب في جنوب غرب السودان وهي مناجم لا يذهب دخلها لخزانة الدولة السودانية
، ويتلخص المشهد السياسي السوداني عشية انقلاب قوات الدعم السريع على القوات العسكرية الرسمية النظامية في السودان في ما يلي :-
.. الاختلاف في الرؤى حول كيف ومتى يتم تسليم السلطة للتيار المدني ، وهذا الاختلاف في الرؤى بين قوات الدعم السريع والقوات العسكرية النظامية
.. شدة الجذب والاستقطاب من قبل قوى إقليمية ودولية للتيار المدني ولقوات الدعم السريع
.. سعي القوات العسكرية الرسمية للسودان إلى تهدئة الأوضاع وضبط النفس مع استمرار التظاهرات والتصعيد من قبل قوات الدعم السريع والتيار المدني
.. سعي قوات الدعم السريع للتصعيد ومحاولة استقطاب التيار المدني والاستقواء به ضد الجيش السوداني النظامي وإلصاق أي تجاوز يتم في حق المدنيين المتظاهرين بقوات الجيش السوداني النظامي
ويتضح من المشهد الحالي عقب محاولة الانقلاب أن الهدف مما يحدث في السودان الآن :
.. عودة رئيس الوزراء السابق “حمدوك” للمشهد السياسى من جديد بكل ما يمثله من فكر وتيار سياسي وقوى إقليمية ودولية داعمة له
.. الحد من نفوذ القوات العسكرية الرسمية للسودان
.. محاولة استقطاب فرقاء التيار المدني في السودان واغرائهم بقيادة عسكرية جديدة غير الجيش النظامي وقد تبين للقاصي والداني من محاولة الانقلاب تلك أن الطرف الأكثر حرصا على تسليم السلطة للتيار المدني هو الجيش السوداني النظامي ولكن بعد إتمام استقرار الداخل ونهاية عمليات الاستقطاب الإقليمي والدولي
.. محاولة قوات الدعم السريع التخلص من الاتهامات بالتجاوزات في حق المدنيين منذ الاطاحة بالبشير وإلصاق التهم الموجهة لقوات الدعم السريع بالجيش السوداني النظامي من خلال قفز قوات الدعم السريع على السلطة من خلال انقلاب عسكري مدعوم من قبل قوى إقليمية ودولية لها مصالحها الخاصة على حساب مصلحة وحدة أراضي السودان وسلامة شعبه وعلى حساب استغلال السودان لثرواته بنفسه
.. اختبار رد فعل مصر في حال الإضرار بأمنها المائي من خلال بالونة إختبار في أراضي أخرى غير إثيوبيا
وهي الأراضي السودانية من خلال احتجاز عناصر التدريب المصرية في قاعدة مروي ومحاولة الاستهزاء بها وقد جاء الرد واضحا جليا وسوف يتضح مع الوقت مدى سرعة وقوة ومغزى الرد المصري في ظل ثوابت السياسة المصرية في النزاعات الداخلية للدول العربية .
، وتتمثل ثوابت السياسة المصرية في النزاعات
الداخلية للدول العربية في ما يلي :-
.. مصر تدعم المؤسسات الرسمية النظامية فقط وبالدور الدبلوماسي وليس العسكري
.. مصر لا تدعم أي محاولات انقلابيه من أي ميليشيات مسلحة
.. مصر تدعم الحوار الوطني لا الحروب الداخلية
.. مصر تدعم سلامة الشعب ووحدة الأراضي
.. مصر لا تتدخل عسكريا إلا في حالة الاعتداء على أفراد شعبها أو جيشها أو مقدرات أمنها وثرواتها
، وفي ما يخص أزمة الداخل السوداني الحالية
فإن قوات مصر في مطار مروي قوات للتدريب
مع الجانب السوداني في ضيافة السودان
قوات محدودة للغاية كعدد أفراد وعزل من السلاح ومعهم ذخيرة للتدريب فقط وليست ذخيرة عملياتية
، كما أن مصر تطرح مبادرة للتهدئة في السودان
بدعم من الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي
وهناك مساعي حالية من قبل دولتي مصر وجنوب السودان لوقف الصراع المسلح في أسرع وقت .
، ومما لاشك فيه أن قوات الدعم السريع أصبحت تعبث بمدى بقائها وقبولها في المشهد السياسي السوداني وتكتب نهايتها بيدها من خلال محاولة الانقلاب على الشرعية المتمثلة في الجيش السوداني النظامي ومن خلال محاولة الزج بإسم مصر في ما يتم داخل السودان بهدف الترويج لفكرة أن مصر قوى استعمارية يستقوي بها الجيش السوداني النظامي ضد التيار المدني وهي محاولة ساقطة وفاشلة بامتياز لا تصدر إلا من مراهقين سياسيا يسيل لعابهم ولعاب القوى الإقليمية قاصرة النظر التي تقف خلفهم على فكرة الانفراد بالسلطة والثروة في السودان من خلال تقسيم وإضعاف السودان وقطع الرباط الإنساني التاريخي الثقافي وعلاقات النسب وصلة رحم النيل الممتدة بين مصر والسودان لآلاف السنين ولا يخفى على التيار المدني السوداني المستنير الآن أن الجيش السوداني النظامي هو الأكثر حرصاً على سلامة الشعب السوداني ووحدة الأراضي السودانية بعد استقرار الداخل والخروج من دائرة الاستقطاب الإقليمي والدولي خاصة وأن هذا الاستقطاب يأتي على حساب مصلحة السودان العليا وعلى حساب بقاء هوية السودان ثابته ضمن نسيجه الإقليمي ، التاريخي والجغرافي وبهدف جعل السودان منطقة عازلة بين مصر وباقي دول حوض النيل من خلال تفتيت السودان لعدة قبائل وميليشيات مسلحة متناحرة يتم التحكم بها من خلال سلاح سدود المياه في إثيوبيا فيصبح السودان تابعا لإثيوبيا ومن يقف خلف إثيوبيا ويصبح السودان معاديا لمصر ويصبح السودان منطقة عازلة بين مصر وباقي دول حوض النيل ، لكن هيهات ، تحيا مصر والسودان معا رغم أنف الحاقدين.