مقالات

الفساد حين يصبح عادة… والسيرة حين تبقى أطول من العمر

الكاتبه الصحفيه شيرين عصام

في كل مجالات الحياة هناك الحلو وهناك الوحش، هناك من يعمل بضمير ومن ينام فوق ضميره، هناك من يضع مصلحة الناس فوق رأسه، وهناك من يسحق الناس من أجل مصلحته. هذه هي طبيعة الدنيا… لكن الكارثة تبدأ عندما يتحول “الوحش” إلى قاعدة، ويتحول “الطيب” إلى استثناء.

في أي مكان، مهما كان بسيطًا أو كبيرًا، ستجد النموذجين. لكن الأسوأ على الإطلاق هو ذلك الشخص الذي لا يختلف على سوءه اثنان. الفساد عنده ليس مجرد خطأ بشري أو زلة، بل أسلوب حياة. الجميع يعرف تاريخه… ماضيه وحاضره “واضح كالشمس في وضح النهار”، ومع ذلك لا يزال يجلس على مقعد المسؤولية، يقرر، يحكم، يُعيّن، ويفتح أبوابًا ويغلق أخرى… ليس للكفاءة، بل للمصلحة.

الأخطر من الفاسد نفسه… هم من يشغلونه وهم يعلمون.
من يحمونه وهم يرون.
من يبررون له وهم يدركون.
من يغطون فساده ويصنعون له صورة زائفة أمام الناس.

هنا لا يصبح الفساد مجرد فرد… بل منظومة.
هنا يتحول الصمت إلى مشاركة، والتواطؤ إلى تحالف، والمصلحة إلى شبكة تتغذى على خراب الآخرين. الفساد حينها لا يسير على قدمين فقط، بل ينتشر كانتشار النار في الهشيم، يلتهم كل شيء في طريقه، ويقتل الأمل قبل أن يولد.

والمؤسف أن الإنسان مهما طال عمره… يفنى.
لكن السيرة لا تموت.
الاسم يبقى بعد صاحبه، ذكرًا حسنًا أو لعنة تطارده حتى بعد الرحيل.

لذلك، كلنا مهما كان موقعنا — كبير أو صغير — مسؤولون عن سِيرتنا التي ستبقى خلفنا، مسؤولون عن ما نقدمه للناس، مسؤولون عن الحق الذي نحميه، والظلم الذي نسكت عنه، والأمانة التي نحملها.

يقول الرسول ﷺ: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.”
وهذه ليست جملة دينية فقط… بل دستور حياة.

فمن كان مسؤولًا — في بيت، أو عمل، أو مؤسسة، أو دولة — ولم يحفظ الأمانة، فليس فقط آثمًا أمام الله… بل مجرمًا في حق الناس، في حق المستقبل، في حق السمعة التي ستبقى بعده.

احفظوا سيرتكم… لأنها لا تُدفن.
وحاربوا الفساد… لأن السكوت عليه مشاركة فيه.
فكما يبقى اسم الصالحين نورًا بعد رحيلهم… يبقى اسم الفاسدين ظلامًا مهما حاولوا التجمّل بالحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى