فن

*المسرح في مواجهة الأسئلة الوجودية.. التكنولوجيا والواقع على طاولة نقاش القاهرة التجريبي

تغطية: شيماء منصور

شهد اليوم الثالث من فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثانية والثلاثين، برئاسة الدكتور سامح مهران، إقامة جلسة بعنوان “تجارب مسرحية معاصرة” التي عُقدت ضمن محور “المسرح وما بعد العوالمة”، شارك فيها إيفين ميدينيتسا من (صربيا)، أونا كريستيا غريغوريسكو من (رومانيا)، سافاس باتساليديس من (اليونان) وأدارت الجلسة د. أسماء يحيى الطاهر عبدالله من (مصر).

وفي البداية، أعربت الدكتورة أسماء يحيى الطاهر عبدالله، عن سعادتها باستضافة نخبة من الباحثين والنقاد المسرحيين من دول مختلفة، مؤكدة أن الجلسة تمثل فرصة مهمة لتبادل الخبرات والرؤى حول طبيعة المسرح المعاصر وكيفية تفاعله مع التحولات الاجتماعية والسياسية والتكنولوجية المتسارعة.

إيفين ميدينيتسا: المسرح الحيّ لا يُستبدل.. وBITEF مساحة للأسئلة الجريئة حول مستقبل الفن

113 215753 zamir responsible lives hostages 700x400 1 جريدة مؤسسة ايجي تايمز

واستهل الناقد المسرحي والمدير الفني لمهرجان بلغراد الدولي للمسرح “BITEF”، إيفين ميدينيتسا، ورقته البحثية، قائلاً: إن تأسيس المهرجان عام 1967 جاء برؤية واضحة وجريئة تهدف إلى دعم كل ما هو جديد في المسرح، وفتح الباب أمام التجارب غير التقليدية التي تبحث عن أشكال إبداعية مختلفة. وأوضح أن الدورة الافتتاحية للمهرجان كانت خير دليل على هذا التوجه، حيث قدمت أعمالاً مسرحية اعتُبرت في ذلك الوقت في طليعة التجريب العالمي، مثل عرض “الأمير الثابت” للمخرج البولندي الشهير ييجي غروتوفسكي، ومسرحية “أنتيجونا” لفرقة “المسرح الحي”، التي عُرفت بجرأتها الفنية وخروجها عن الأطر التقليدية.

وأشار ميدينيتسا إلى أن دور المهرجان لم يكن يقتصر فقط على تقديم العروض المسرحية، بل تعداه ليصبح منصة للنقاشات النقدية والفكرية الجادة حول المسرح المعاصر، خصوصاً داخل المشهد المحلي في صربيا وأوروبا. وأكد أن BITEF ظل طوال تاريخه مساحة مفتوحة لطرح الأسئلة الجوهرية حول معنى المسرح وحدوده، لافتًا إلى أن النقاشات في بعض الدورات وصلت إلى طرح أسئلة فلسفية عميقة، من بينها: ما الذي يجعل العرض مسرحًا حقاً؟ وهل يمكن اعتبار العمل الفني مسرحياً إذا غاب عنه الممثل البشري وحلّت محله تقنيات أو وسائط غير تقليدية؟

وأضاف ميدينيتسا أن ذروة هذا النوع من النقاشات ظهرت بشكل لافت خلال دورة المهرجان عام 2020، عندما تحدثت الباحثة الألمانية البارزة إريكا فيشر ليشته، مؤكدةً أن العروض التي تُنفذ بواسطة الروبوتات أو الوسائل غير البشرية قد تكون ممتعة وغنية بالقيمة الفنية والتجريبية، لكنها – من وجهة نظرها – لا تمثل المسرح بالمعنى الحقيقي للكلمة. فالمسرح، كما ترى فيشر ليشته، يقوم جوهريًا على حضور الممثل الحي والتواصل المباشر مع الجمهور، وهو ما يمنحه خصوصيته التي لا يمكن استبدالها بالتقنيات مهما بلغت من تطور.

وختم ميدينيتسا تصريحاته بالتأكيد على أن هذه النقاشات تعكس الدور العميق الذي يلعبه BITEF في إعادة التفكير في طبيعة المسرح ووظيفته، وأنه سيبقى مساحة مفتوحة للأسئلة الصعبة والتجارب الجريئة التي تدفع هذا الفن إلى آفاق جديدة.

أونا كريستيا غريغوريسكو: الدراما الرومانية الجديدة مرآة للتحولات الاجتماعية والسياسية في شرق أوروبا

وفي كلمة مصوّرة، قالت الباحثة الرومانية أونا كريستيا غريغوريسكو، خلال ندوة حول المشهد المسرحي المعاصر، إن الدراما الرومانية تشهد في السنوات الأخيرة تحولات لافتة، تعكس عمق التغيرات الاجتماعية والسياسية التي مرّت بها البلاد منذ انهيار الأنظمة الشيوعية في شرق أوروبا. وأوضحت أن هذه التحولات ألهمت جيلًا جديدًا من الكُتّاب المسرحيين الذين يوظفون أعمالهم لتسليط الضوء على قضايا تحمل أبعادًا اجتماعية عميقة وتقاطعات سياسية واضحة.

وأكدت غريغوريسكو أن المسرحيات المعاصرة في رومانيا لم تكتفِ بعرض قصص شخصية أو سرديات فردية، بل جاءت محمّلة بأسئلة كبرى ترتبط بالهوية والتحولات التاريخية والبحث عن الحرية، مشيرة إلى أن هذه النصوص تمثل صدى صادقًا للتجربة الإنسانية في ظل التغيرات الجذرية التي شهدتها المنطقة.

وتابعت الباحثة موضحة أن دراستها ركزت على مجموعة من أبرز الأسماء التي تشكل ملامح هذا المشهد الجديد، مثل ألكساندرا فيلسيغي، ميهايلا ميخايلوف، ألينا نيليغا، وغيرهم من الكُتّاب الذين ينحدرون من خلفيات ثقافية متعددة، بينهم من أصول رومانية ومجرية وألمانية، لكنهم جميعًا يسهمون في تشكيل المشهد المسرحي داخل رومانيا بروح معاصرة وجريئة.

وأضافت غريغوريسكو أن التنوع الثقافي الذي يحمله هؤلاء الكُتّاب منح النصوص أفقًا واسعًا يمزج بين المحلي والعالمي، فهي من جهة تعبّر بصدق عن القضايا الاجتماعية والسياسية الخاصة بالمجتمع الروماني، ومن جهة أخرى تطرح تساؤلات كبرى حول الإنسان والسلطة والحرية، يمكن أن تجد صدى لدى جمهور عالمي يتشارك الهموم الإنسانية نفسها.

وختمت تصريحاتها بالتأكيد على أن الدراما الرومانية الجديدة تقدم نموذجًا فنيًا يُظهر كيف يمكن للمسرح أن يكون مساحة لتفكيك الأسئلة الكبرى في مجتمعات تمر بتحولات عميقة، وكيف يستطيع الفن أن يوثق اللحظة التاريخية، وفي الوقت نفسه يدفع الجمهور للتأمل في المستقبل.

سافاس باتساليديس: المسرح المعاصر يكشف هشاشة الواقع في عصر التكنولوجيا المفرطة

من جانبه قال الباحث المسرحي اليوناني سافاس باتساليديس، خلال ندوة فكرية حول تحولات المسرح المعاصر، إن التكنولوجيا لم تعد مجرد أداة مساعدة في العرض المسرحي، بل أصبحت شريكًا أساسيًا في إنتاج المعنى جنبًا إلى جنب مع العنصر البشري. وأوضح أن هذا التحول أعاد تعريف مفاهيم الحضور، والمسافة، والواقع على خشبة المسرح، حيث انتقلنا من الحضور التقليدي المباشر إلى ما أسماه “الأداء المنكسر رقميًا”، وهو حضور يتشكل من خلال الوسائط التكنولوجية والمحاكاة والتغذية الراجعة، وليس فقط من خلال الوجود الحي للممثل أمام الجمهور.

وأشار باتساليديس إلى أن دراسته تناولت تجارب مسرحية بارزة، مثل عروض فرقة “ووستر” (Wooster Group) وأعمال المخرج ريتشارد فورمان، موضحًا أن هذه النماذج تكشف كيف أن الحضور لم يعد مجرد مسألة وجودية مرتبطة بوجود الممثل على الخشبة، بل أصبح حدثًا يُنتَج بواسطة التصميم الرقمي والتقنيات متعددة الوسائط، بحيث يتحول المسرح إلى ما يشبه “آلة وجودية” تكشف هشاشة الواقع بدلًا من تقديم صورة تقليدية عن الأصالة والواقع المباشر.

وأضاف الباحث أن هذا التغيير الجذري في طبيعة العرض المسرحي يعكس التحولات الثقافية في عصر “الوسائطية المفرطة”، حيث لم يعد الجمهور يبحث فقط عن التفاعل الحي، بل صار منفتحًا على أشكال جديدة من التجربة المسرحية تدمج بين الإنسان والتكنولوجيا لإعادة التفكير في معنى الحضور نفسه.

وختم باتساليديس تصريحاته بالتأكيد على أن المسرح في صورته الجديدة لم يعد ساحة لتأكيد الواقع، بل مساحة لتفكيكه وإعادة تركيبه أمام الجمهور، بما يجعل التجربة المسرحية أكثر تعقيدًا وإثارة للأسئلة الوجودية في زمن تتداخل فيه الحقيقة مع المحاكاة الرقمية بشكل غير مسبوق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى