عن ذاكرة الأمكنة.. بقلم ناظم الرفاعي

أصبحتْ تلك الزوايا في شرودي
(وصلة تنهدٍ ) فاصلة
تأخذ أنفاسي من كل مغريات الهواء ومن سطوة الأمكنة
أنا اللاهث ، المركبُ ، العنيدُ، الثرثارُ ، الحيُ ، الحالمُ ، المذنبُ والتواب ُ…لا أدري كيف صرتُ لاشيء سوى قلعة صامتةِ الحيطان
تقفلُ قلبها برخامها
أنا المتحدثُ ، سيدُ الإنزياحات ، من يغير قطرة الماء بحراً ، ويجعل دخان المواقف العابرة مطر ْ
من تسكن في مقلتيه النجوم ويلعب على أصابعه القمر
كيف صرت كائناً ثابت العبراتِ
لا يعبث المشهدُ بتجاعيد جبهته ِ
و لا يغير الإبتسام أبعاد شفتيه
صرت وحدةَ إنسان
قلبها مشبع الزوايا وروحها أوثقت الأقفال
وصارت إلى خيمةٍ لا تحرك أعمدتها الريح
ولا تفتح كما اعتادت أرجائها للغرباء وللخطى العابرة
عنيدٌ أنا في التعلق
وعنيدٌ قلبي حين يصحو وحين يتذكر ْ
لذلك بقيت غريباً
ردائي كثيف ودمعي طقس إنتماء مبجلْ
فلا تسألوني عن خرائط الحزن في وجهي
خيوط جبهتي منازلٌ
وزوايا العيون توسلْ
لم أغادرْ
ولو أصابتني بدائها المسافاتُ
وملأت أختام المنافي وجوه أوراقي
لكنني بقيت هناك
فرحٌ ينتظر العبور
وابتسامٌ على أطراف الشفاه مؤجلْ
كم قريباً ظن أن قمصاني حديثة الإنتماء
ألوانها فاقعةٌ
و أزرارها ليست لها
كم بعيدٍ ظن أنني صرتُ منه
حقائبي مثقوبةٌ و صندوق أسراري تبعثر
كم أنينٍ مر بجانبي
فما بكيتُ
ولا حشرجةٌ غيرت تواتر الأنفاس في صدري
قالوا :
أضلاعه أعمدةٌ من رخامٍ والقلب الذي حوته تصحرْ
ورموني في غياهب الجب
وجاؤوا على قميصي بدمٍ كذبْ
قلتُ : أنا يوسف يا أبي
ما خنتُ الرداءْ
وما بعتُ للأوهام قلبي
وما راودتُ الغريبة
لا زلتُ كما عهدتني
سكن وجع البلاد عظامي
فأعلنتُ جدراني قلعةً منكوبةً
أصلي على قبلةِ الغائبين
وبين صيامٍ وصيامٍ يؤذنُ في قلبي هيامٌ
وأفطر على ذاكرة…