شعر وأدب
“طريق” قصة قصيرة بقلم الروائي العراقي فاضل محمد الربيعي

ذابت أطرافه في خريف عمره وهو ينقل أقدام متهالكة , صار عنوان وهن , يحمل بيد حذاء جديداً داخل كيس اسود وألاخرى مثقلة بهاتف محمول , يتفرس بصعوبة المعروضات على جانبي شارع الرشيد , تعيقه كثرة المارة وما رصف على الطريق من بسطيات وعربات حوت أنواع من السلع المنوعة ذات أسعار متهاودة , تقطع مسيرته عربات حمل يسحبها شباب توحي هيأتهم عن تعب عَشق سواعدهم وأذبل جباههم , كان الرجل ينظر بعين الفاحص لواقع أختلف عن ما كان عليه في زمن مضى, طرقات تزداد نفايات وحزن , تثاقل في مشيته لكثرة الزحام في ذلك الطريق , أحس بخوف من ان يسقط هاتفه وتدوسه ألأقدام , يده لم تعد تتحمل رفسات من يمر ويحتك به , وضع هاتفه في جيب ألبنطال وسار بخطوات متأنية يتحاشى مضايقات التصادم بين الحشود , فجأة وقف شاب أمامه للحظة مما أضطره أن يقف , استغرب من هذا الوضع , سال الشاب
: -ها ولدي خير ؟
:- لا عمي العفو .
أجاب الشاب , مشى الرجل في الشارع الذي كان مصدر راحة لمارته في زمن مضى بنضارته ونظافته وقلة سياراته وبهاء ممراته وبلاطه ألاسفلتي ألأنيق وخلوه من البسطيات المتراكمة على بعضها , انتبه ان جيبه خفيف تحسس فأذا بالهاتف قد أختفى , وقف الرجل مذهولا استدار يفتش عن الشاب الذي اعترضه , يحاول أن يجد أي شيء مريب للوصول لضالته , لم يلحظ شيء غير عادي كانت الفوضى تصيح صارخة تقود الناس , تقدم لشاب يجلس على جانب الطريق خلف عربته فيها سمك سأله
:- ولدي انا تمت سرقة هاتفي ألأن هل لاحظت احدهم او ترتاب بأحد من النشالة .
نظر الشاب للرجل وعينيه تحمل ثقل الزمن تتعاطف مع الرجل فقال له
:- حجي لو تنظر للشباب الذي يتزاحم في الممرات نصفهم سراق , ولاتكون انت أخر المسروقين , تكرر ذلك للاسف
صارت شبه عادية في مكان يسهل فيه عملية السرقة ,هناك إعداد غير قليلة منهم نتيجة للإهمال منذ عقدين ونتاج لوطن ضاع , وها انا ماجستير أبيع سمك , من يتحسس مصيبة وطنه تهون عليه مصيبته .
استدار الرجل وهو يسحب نفسا عميقا ليطرد مرارة ألالم , يقول للبائع
:- شكرا ولدي ربي يرعاكم .
نقل خطوات ثقيلة وهو يغادر المكان يتفحص الوجوه بين الفوضى التي ملأت المكان مع كميات النفايات المتراكمة على جنبات الشارع ويهمس لنفسه
:- اااه أيها الشارع العتيق , كم عشت أزمان , وكم مرت عليك وجوه ولا ادري هل سنصل الهدف أم تبقى الغربان المشبوهة تعيث بك غدرا ..
فاضل محمد الربيعي