منوعات

حوار مع طبيبة الأسنان السعودية الدكتورة إيمان القفيدي

قصة طبيبة قادت جيلاً بابتسامة
حين يكون الشغف رسالة

أجرى الحوار/لطيفة محمد حسيب القاضي

في عيادة تغمرها رائحة التعقيم وهدوء السكينة، جلستُ قبالي البروفيسور إيمان عبد الرحمن القفيدي، تلك السيدة التي تخبئ خلف نظرتها الهادئة تاريخًا من التفاني والعطاء. لم تكن مجرد طبيبة أسنان، بل معمارية لابتساماتٍ جديدة، وراعية لجيل كامل من الأطباء الذين مروا تحت جناحها الأكاديمي في جامعة الملك سعود.

بدأت حديثها بابتسامة دافئة، وقالت:
“أنا إيمان القفيدي، استشارية في تقويم الأسنان، أستاذة متقاعدة، وأعمل حاليًا في مركز أمج الطبي. قد أكون تقاعدت أكاديميًا، لكن قلبي لا يعرف التقاعد حين يتعلّق الأمر بمهنة الطب.”

حين سألتها عن طفولتها، غابت عيناها لحظة كأنها تعود بذاكرتها عبر السنين.
“قضيت سنواتي الأولى في الولايات المتحدة، حيث كان والدي مبتعثًا ضمن الجيش. هناك نشأت، هناك تشكلت شخصيتي، وعدت إلى المملكة في السادسة عشرة، لأبدأ رحلتي في كلية طب الأسنان بالرياض، ثم أعود مجددًا لأمريكا، ولكن هذه المرة كطبيبة تسعى لنيل الماجستير والدكتوراه.”

494328191 678290521459502 8111932226777396487 n جريدة مؤسسة ايجي تايمز

في حديثها عن طب الأسنان، كانت كلماتها تتدفق بثقة محنّكة. “التسوس؟ عدونا الأول، وأقوى حلفائه هو الإهمال. العناية اليومية بالأسنان، تقليل السكريات، والمراجعة الدورية لطبيب الأسنان… تلك هي أسلحتنا.”

سألتها عن أكثر ما يؤرق الأطباء في هذه المهنة، فاستقامت في جلستها وقالت بنبرة هادئة لكنها عميقة:
“الهاجس الأكبر؟ أن نُخفق في تلبية طموح المريض. رغم أننا نبذل قصارى جهدنا، تبقى النتيجة أحيانًا غير مطابقة لحلمه، وذلك يثقل كاهلنا.”

تطرقت بعدها للحديث عن تقويم الأسنان، مشيرة إلى أن “الاستشارة الأولى يُستحسن أن تكون عند عمر السابعة، ففي هذا العمر نستطيع رؤية الصورة الكاملة للفك وتحديد ما إذا كنا بحاجة لتدخل مبكر.”

وعندما واجهتها بسؤالٍ شائك عن ارتفاع أسعار علاج الأسنان، أجابت بحزم ورقي:
“البعض يشبّهنا بالجزارين، وهذا مؤلم. الحقيقة أن طب الأسنان يتطلب أدوات دقيقة، ومعايير تعقيم صارمة، وجودة لا تقبل التهاون. الأسعار انعكاس لكل هذا، لا أكثر.”

انتقل الحوار بسلاسة إلى صحة أسنان الأطفال، فقالت بإصرار:
“الأسنان اللبنية ليست مؤقتة كما يعتقد البعض. إهمالها قد يخلّف أثرًا طويل الأمد. من هنا، يجب أن تبدأ العناية منذ سنوات الطفولة الأولى.”

وحين سألتها عن أسباب ظهور البقع البنية، تلوّن صوتها بالخبرة:
“قد تكون بسبب التسوس، أو من الداخل نتيجة مواد معيّنة، أو حتى من زيادة الفلوريد. لا سبيل للجزم إلا بالفحص.”

ولم تنسَ الحديث عن التكنولوجيا، مشيرة إلى أنواع التقويم: “هناك المعدني، والشفاف، والقوالب الجديدة، التي أحبها كثير من المرضى لأنها غير مرئية تقريبًا وتمنح حرية أكبر.”

عادت لتؤكد أن “نجاح التقويم يعتمد على التشخيص السليم، والتزام المريض، والبدء في الوقت المناسب. أما الفشل فيكمن غالبًا في التأخير أو الإهمال.”

فيما يخص التغذية، نصحت بالخضروات، والأجبان، والحليب، قائلة إنها “تمنح الأسنان القوة من الداخل.”

ثم همست وكأنها تكشف سرًّا:
“المفصل الصدغي الفكي، كثيرًا ما يُهمَل، لكنه يسبب آلامًا مزعجة. الضغط النفسي أحد أسبابه الخفية.”

سألتها عن نفسها، عن وقتها الخاص، فتنهدت قائلة:
“الحياة أسرع من أن تترك لي وقتًا للهوايات. بين العيادة، والعائلة، ورعاية والدتي… وقتي موزع بين مسؤوليات ثلاثة. أسأل الله القوة فقط.”

وفي نهاية اللقاء، نظرت إليّ نظرة صادقة وقالت بشيء من التأمل:
“مهنة طب الأسنان منحتني كثيرًا… علّمتني الصبر، منحتني علاقات ثمينة، لكنها أيضًا أخذت مني وقتي وصحتي. ورغم ذلك، حين أرى ابتسامة طفل عادت إليه، أو ثقة مريض استعادت إشراقها، أعلم أن كل تعب يستحق.”

وغادرتُ عيادتها كما لو أنني خرجت من حكاية حيّة… تحمل في تفاصيلها امرأة صنعت مجدها بأسنانٍ بيضاء وقلوبٍ امتنّت لها بابتسامات لا تُنسى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى